والشاهد قوله: « أن يكون الله ورسوله أحبّ إليه مما سواهما» فكلَّما عظمت محبة العبد لربه كلَّما عظم تقرُّبه له وقويت صلته به وزادت عبادته، وبذلك تحصل محبة الله للعبد، كما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنَّ الله قال: «من عادى لي وليًا فقد آذنته بالحرب، وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أُحبُّه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه» | د- الذين ضلُّوا في تحقيق أركان العبادة: وقد ضلَّ في تحقيق أركان العبادة لله ثلاث طوائف أذكرها على سبيل الإيجاز خشية الإطالة وهي: 1- الصوفية : فإنهم زعموا أنهم يعبدون الله حبًّا له فقط، فلا يرجون ثوابه ولا يخافون عذابه، وقد أبطلوا كلَّ سبب يئول إلى الرجاء، مثل الدعاء والإنابة والتضرُّع ونحوها، كما أبطلوا كلَّ سببٍ يئول إلى خوف الله مثل دوام المراقبة والمحاسبة ونحوهما، وقد تواترت عبارات أئمَّتهم حول هذا المعنى في كثيرٍ من الكتُب التي حكت مقالاتهم |
سليمان بن محمد العثيم الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا لإله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين وسلَّم تسليمًا | |
---|---|
وقال تعالى: }فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا { | وأخبر عن الصحابة المهاجرين الذين فرُّوا بدِينهم وتركوا أموالهم وأولادهم وأوطانهم وما عملوه في الإسلام والدافع لذلك، فقال تعالى: }إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ { |
وفي عدم رجاء العبد لربه يأس وقنوط من رحمته، وهذا محرم لا يجوز بل هو كُفرٌ كما قال تعالى: }يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ {.
26ومن تأمَّل الشريعة في مصادرها ومواردها علم ارتباط أعمال الجوارح بأعمال القلوب، وأنها لا تنفع بدونها، وأنَّ أعمال القلوب أفرض على العبد من أعمال الجوارح، وهل يميز المؤمن عن المنافق إلا بما في قلب كلِّ واحد منهما من الأعمال التي ميزت بينهما، وهل يمكن لأحدٍ الدخول في الإسلام إلاَّ بعمل قلبه قبل جوارحه، فعبودية القلب أعظم من عبودية الجوارح وأكثر وأدوم، فهي واجبة في كلِّ وقت، ولهذا كان الإيمان واجب القلب على الدوام، والإسلام واجب الجوارح في بعض الأحيان، فمركب الإيمان القلب، ومركب الإسلام الجوارح" | قال الفضيل بن عياض: "العمل الحسن هو: أخلصه وأصوبه، قالوا: يا أبا علي ما أخلصه وأصوبه؟ قال: إنَّ العمل إذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا لم يُقبل، وإذا كان صوابًا ولم يكن خالصًا لم يُقبل حتى يكون خالصًا وصوابًا، والخالص ما كان لله، والصواب ما كان على السُنة |
---|---|
الفصل الثالث من رحمة الله بعباده — وهو أرحم الراحمين — أنه لَمَّا فرض عليهم عبادته وجعلها مبنيةً على محبته ورجائه وخوفه، أوضح لهم بعد ذلك شروط صحة تلك العبادة، وأنها لا تكون صحيحة ومقبولة عنده إلا إذا توافرت فيها هذه الشروط، وقد دلَّ عليها الكتاب والسنة وإجماع الأمَّة وهي: الشرط الأول- الإخلاص: فالإخلاص هو لبُّ الدين، وعموده الأعظم، وهو لغةً: «تصفية الشيء وتنقيته»، يقال: خلص الشيء من الشوائب إذا صفا، وأخلص الشيء: نقاه، وخلَّصه: أزال عنه ما يكدره |
كما وعد مـــن خافــه أن يُدخله الجنة، فقال تعالى: }وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ {.
8