٦ القاسم بن حمود وعلي بن حمود كانا في جملة جماعة المستعين الأموي المسمى سليمان بن الحكم، وبعد أن انقرضت دولة بني حمود من فاس عقد المستعين للقاسم بن حمود على الجزيرة الخضراء من الأندلس وعقد لعلي بن حمود على طنجة | قلت وقد زرت أنا قبر المعتمد والرميكية أم أولاده — رحمهما الله — حين كنت بمراكش المحروسة بالله عام عشرة وألف، وعمي عليَّ أمر القبر المذكور وسألت عنه من تظن معرفته له، حتى هداني إليه شيخ طعن في السن، وقال لي: هذا قبر ملك من ملوك الأندلس، وقبر حظيته التي كان قلبه بحبها خفاقًا غير مطمئن، فرأيته في ربوة حسبما وصفه ابن الخطيب رحمه الله بالأبيات، وحصلت لي في ذلك المحل خشية وادِّكار، وذهبت بي الأفكار في ضروب الآيات، فسبحان من يؤتي ملكه من يشاء لا إله غيره وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين |
---|---|
وجعلها لما أراد من مكروههم أمدًا، وقد كان أحد أجنادهم أشار بالرأي في أمره، وأراد أن يطلع عليه من نية مكره، فراطنهم يومئذٍ بغدره، ورمز لهم بالاستراحة من شره، ففهمها المعتضد وجعل تلك الكلمة دبر أذنه، وأثبتها في ديوان إحنه، حتى حلى بطائلها، واستفاد بعد مديدة من قائلها، وجأجأ الحاجبين المذكورين لأول تمكنه من الغرة، وساعة صدره من مركزه، فتهافتا تهافت الفراش على الجمرة، وجاءا مجيء الحائن إلى الشفرة، وتطفل عليهما الحائن بن خزرون المنتزي، كان وقته بأركش، فلله أبوه وافدًا لم تحزه الوفادة، وواهًا له قتيلًا لم يحل بطائل الشهادة، فجرع الكل الحتوف، وحكم في عامتهم السيوف، واستمر بعد ذلك على حرب بقاياهم، وتتبع أخراهم، حتى تغلب على بلادهم، وألوى بطارفهم وتلادهم، في أخبار طويلة استوفاها ابن حيان، هي خارجة عن غرض هذا الديوان، وقد ألمعت منها بما فيه الكفاية، إذ لا يتسع هذا المجموع لاستقصاء الغاية، والسبب الذي كان يغريه بطلبهم، ويبعثه على التمرس بهم، أن بعض من نظر بمولده كان أخبره أن انقضاء دولته يكون على أيدي قوم يطرءون على الجزيرة من غير سكانها، فكان لا يشك أنهم تلك البرازلة الطارئون عليها في عهد ابن عامر، فأعمل في نكالهم وجوه سياسته، وشغل بقتالهم أيام رياسته، واتفق أن دخل عليه يومًا بعض وزرائه، وبين يديه كتاب قد أطال فيه النظر، فإذا كتاب «سقوت» المنتزي يومئذٍ بسبتة يذكر أن القوم المتلثمين المدعوين بالمرابطين، قد وصلت مقدمتهم رحبة مراكش فقال له ذلك الوزير المذكور: وأين رحبة مراكش؟ وحلوها فكان ماذا؟ ومات الحجاج فمه ؟ ودونهم اللجج الخضر، والمهامه الغبر، والليالي والأيام، والجماهير العظام، فقال له المعتضد: هو والله الذي أتوقعه وأخشاه، إن طالت بك حياة فستراه، اكتب إلى فلان — يعني عامله على الجزيرة — باحتراس جبل طارق حتى يأتيه أمري، وأخذ يريش في تحصينه، ووضع أرصاده هنالك وعيونه | روى عن أبي بكر عباس بن الهمذاني، وأبي محمد الأصيلي، والقاضي أبي عبد الله بن مفرج، وأبي القاسم خلف بن القاسم، وأبي يحيى زكريا ابن الأشج وغيرهم، وسمع منهم وأخذ العلم عنهم، وقد أخذ عنه أبو عبد الله محمد بن عتاب الفقيه، فقال: حدثنا ثقة من الشيوخ الأكابر، وهو يعني أبا الحزم هذا |
فجاء يركض حتى المدينة، وقد غلقت أبوابها دونه فحاصرها بمن معه أيامًا فامتنعت عليه، ولم يقدر على دخولها فبقي حائرًا لا يدري ما يصنع، ولا أين يتوجه، وقد كان بلغ المعتمد قيامه عليه وخلع يده من طاعته، فلم ير إلا الهروب ملجأ فهرب حتى لحق ببني هود بسرقسطة، فأقام عندهم حتى ثقل عليهم وخافوا غائلته.
16وترك من الولد يحيى ومحمدًا وحسنًا، وكان يحيى بن علي المقتول قد حبس ابن عمه محمدًا والحسن ابني القاسم بن حمود بالجزيرة، فلما مات إدريس أخرجهما الموكل بهما ودعا الناس إليهما فبايعهما السودان خاصة قبل الناس لميل أبيهما إليهم، فملك محمد الجزيرة ولم يتسم بالخلافة، وأما الحسن بن القاسم فإنه تنسك وترك الدنيا وحج | وقد دعا صاحبها إلى قولها أن يوسف بن نغذلة اليهودي الوزير وشى بأبي إسحاق — قائل هذه القصيدة — فأقصاه السلطان عن بلاده، قالوا: وكان ذلك الوزير قد تعرض لتسفيه بعض الآراء الدينية الإسلامية، وكان عظيم الخطر واسع النفوذ، فوجد أبو إسحاق من ذلك دافعًا إلى إنشاء تلك القصيدة البليغة، وقد ملأها تحريضًا وأفعمها حججًا وبراهين، أفلح في التأثير بها على العامة وحملهم على إنفاذ رغباته، وما زال يتفنن في ضروب الاحتثاث والتهييج حتى اشتعل الجمهور الساذج حماسة، وهجم على ذلك الوزير فقتله في قصر السلطان نفسه، وليس من شك في أن أبا اسحق بذل كل مواهبه في الضرب على النغمة الدينية وإظهار التفجع الشديد على ما انتاب الدين من التهاون به، وعرف كيف يوالي فيها اطراد الأدلة واتساقها وتدفق المعاني وغزارتها مع دقة في التعبير عن أغراضه وخوالجه بكلام فخم يتطير حماسة ويتأجج نارًا، وشعر صارخ: مثلما يزفر بركان وبهذا استطاع قائله أن يوهم سامعيها أن قتل أولئك اليهود خصومه فرض لا مناص من أدائه، وواجب حتم لا يصح السكوت عنه، وأنهم إن كانوا غفلوا عن القيام به فيما مضى، فهم خليقون أن يتداركوه في الحال، حتى لا تصب عليهم لعنة الله، أو يحيق بهم غضبه، فيخسف بهم الأرض، أو تنقض عليهم السماء، وكذلك لم يترك ناظمها وسيلة من الوسائل التي تستفز أخفى العواطف الدينية الكامنة إلا استخدمها، ولا نغمة من نغمات التعصب للعقيدة الدينية إلا ضرب على وتيرتها، كل ذلك بأسلوب سهل رشيق كاد يصل لسهولته إلى حد الركاكة في بعض الأبيات، مع أنه من أجمل الشعر وأبدعه وإن شئت فقل: وأروعه |
---|---|
ورجع يوسف بن تاشفين وأصحابه عن ذلك المشهد منصورين مفتوحًا لهم وبهم، فسر بهم أهل الاندلس، وأظهروا التيمن بأمير المسلمين والتبرك به، وكثر الدعاء له في المساجد، وعلى المنابر وانتشر له من الثناء — بجزيرة الأندلس — ما زاده طمعًا فيها، وذلك أن الأندلس كانت قبله بصدد التلاف من استيلاء النصارى عليها، وأخذهم الإتاوة من ملوكها قاطبة | » فنصح وزيره شيخ من موالي صنهاجة فانعطف لذلك بعد لأي وشرح الله صدره |
انتهى ما قصدنا جلبه من كلام الفتح ممَّا يدخل في أخبار المعتمد بن عباد المناسبة لما مر، وكلام الفتح كله الغاية وليس الخبر كالعيان، ولذا قال بعض من عرف به أنه أراد أن يفضح الشعراء الذين ذكرهم في كتبه بنثره — سامحه الله — وأخبار المعتمد رحمه الله تحتمل مجلدات، وآثاره إلى الآن بالغرب مخلدات.
» وقوله: «وهل يعرف البشر من النظيم إلا كما تعرف البقر من علم الهيئة ومساحة الأرض، وإنما لهم خمسة عشر جنسًا من الموزون قلَّ ما يعدوها القائلون، وإن لنا لآلاف أوزان ما سمع بها الإنس | كم مكث الرسول يدعو الناس بمكه للعقيدة نسعد بزيارتكم لنا متابعينا الأعزاء يفرحنا مرحباً بكم في موقع ترند اليوم سؤال وجواب لجميع المتابعين لدينا في الوطن العربي الذي يقدم لكم الحل الوحيد الصحيحة عن السؤال التالي كم مكث الرسول يدعو الناس بمكه للعقيدة الإجابة هي مدة عشرة سنوات |
---|---|
وكان من النادر الغريب قولهم في الدعاء للصلاة على جنازته «الصلاة على الغريب» بعد اتساع ملكه، وانتظام سلكه، وحكمه على إشبيلية وأنحائها، وقرطبة وزهرائها، وهكذا شأن الدنيا في إغرائها، وقد توجه لسان الدين الوزير بن الخطيب إلى «أغمات» لزيارة قبر المعتمد رحمه الله ورأى ذلك من المهمات، وأنشده على قبره أبياته الشهيرة التي ذكرتها في جملة نظمه الذي هو أرق من النسيم، وأبهج من المحيا الوسيم | وهنا يجدر بنا أن نقف لحظة علنا نستطيع أن نستعرض فيها أمامنا الشوط البعيد المدى الذي قطعته الآداب والعلوم في طريق النجاح في ذلك العصر الذي يعد أزهى عصور الاحتلال الإسلامي في أوروبا |