مثل وطنية وإمبراطورية عند الإنجليز وشرق وغرب وتاريخ ومَجْد، والدم والأرض عند هتلر؛ فإن هذه الكلمات وأمثالها تُحِيل الأمة إلى ما يشبه النوم النفسي، فتُصْغِي خاضعةً لكل ما تتطلبه منها من مجهود | قهوة — مشروبات باردة — حلا شيء فخم جداً جداً وان جيته في الفرعين وفي اي وقت بتذوق نفس الطعم |
---|---|
وعندما يقعد اثنان لبحث موضوع يَلْجَأ كلاهما إلى وجدانه فيقدم البراهين الموضوعية يدعم بها حجته، وبعيد أن يصلا إلى نتيجة يتفقان عليها إذا كان الموضوع يَمَسُّ العواطف؛ ولذلك فإن أبرعهما يعمد إلى الإيحاء ويترك المنطق، والمجرم القارح العائد الذي تدرب على المحاكمة يعرف أن أَفْضَل ما يُؤَثِّر به على القاضي هو أن يبكي ويتذلل، ويَذْكُر زوجته وأولاده الذين سيموتون من الجوع إذا حُبِسَ وحُرِمَ الكدح لهم؛ لأن حركة عواطفه هذه تُحَرِّك بالمحاكاة ما يضارعها عند القاضي فيتَحَنَّن ويتَلَطَّف، أما إذا جادل القاضي وقرع الحجة بالحجة فإنه سيسيء بانتصاره المنطقي، وقد يجد من القاضي رغبة في الانتقام لهذا الانتصار عليه | والإيحاء يصدمنا بأنواعه المختلفة؛ فإن للكلمات العاطفية في اللغة أثرًا لا ينقطع للخير أو للشر، فللكلمات: شَرَف وإخاء وإنسانية ورحمة إيحاءٌ للخير، وللكلمات: نجاسة وشماتة وكفر وانتقام إيحاءٌ للشر، وللقصة التي نقرأها في المجلة والصورة التي نراها على الحائط أو في الجريدة إيحاءٌ يُوَجِّهنا ويُكَوِّن مزاجنا ويُؤَثِّر في سيرتنا الشخصية أو الزوجية أو الاجتماعية، وإيحاءُ الإعلانات في الذين يشترون الأدوية المسجلة واضح؛ فإنهم يدفعون عشرين قرشًا فيما لا يزيد ثمنه على خمسة مليمات للإيحاء الذي بَعَثَه الإعلان في نفوسهم من الفائدة المزعومة لهذه الأدوية بإثارة مخاوف وآمال عن صحتهم |
والتنويم النفسي الهبنوتية على الرغم من الادعاءات التي نسبها إليه الدجالون، هو في نهايته «الإيحاء» لا أقل ولا أكثر، ولكنهم استطاعوا أن يُثِيروا استطلاع الجمهور؛ لأنهم أطْلَقُوا عليه اسم «التنويم المغنطيسي» مع أنه ليس فيه أي مغنطيس، وكل ما في الأمر أن هناك أشخاصًا أكثر تأثرًا من غيرهم بالإيحاء، بحيث إذا أوحينا إليهم أنهم في حَرٍّ لا يطيقونه سال العرق من وجوههم، وإذا أوحينا للأم أن طفلها مريض بَكَتْ؛ فالوجدان يزول وتعود النفس وكأنها لوحة مسحاء نكتب عليها ما شئنا، والنائم يصدق كل ما نقوله ويستسلم لكل عقيدة نغرسها فيه، ولا يعارض إلا قليلًا جدًّا؛ أي: يزول منه الوجدان إلا أقله، وطريقة التنويم النفسي أن نجعل الشخص يقعد، أو بالأحرى ينطرح منسطحًا في استرخاء، ويجمع نظره في شيء لامِعٍ لا يتحول عنه ولا يفكر في غيره، ثم نتدرج به في الإيحاء بالإيهام: أنت ستنام الآن، أنت بدأت تنام، جفونك تسترخي، ستتثاءب، أوشكت أن تنام، لقد نِمْتَ ولكنك ستسمع كل ما أقوله لك، إلخ.
6نعمل جاهدين باستمرار لتطوير المنتج من جميع النواحي | |
---|---|
وبتعبيرٍ آخر: نحن نعيش بعواطفنا في الأكثر الأعم، وبوجداننا في الأقل الأخص؛ أي إن مرجع سلوكنا هو الثلاموس وليس المخ، ونحن والحيوان سواء في هذا، والإيحاء لهذا السبب أسهل في بعض الحيوان مما هو في الإنسان | انظر إلى الإيحاء السيئ في مصر للمسنين؛ فإن الموظف يُحَال على المعاش في سن الستين وكأن هذه الإحالة توحي إليه بأنه لم يَعُدْ مفيدًا، ثم نحن نوحي إليه الوقار، فلا يجري ولا يلعب، فإذا تقدمت به السن إلى السبعين طالبناه بزيادة الوقار، فيجب أن يقعد ويُقِلَّ من الحركة، أي: يجب أن يركد ويتعفن ويموت، وهذا بخلاف ما يلقاه المُسِنُّ في أوروبا من الإيحاء بالشباب والصحة، حتى إنه يكون في السبعين ويلبس الشورط ويلعب، بل ويرقص؛ فهناك إيحاء للصحة والقوة، وهنا إيحاء للمرض والضعف |
.
هل سمعت أحدًا يقول لك: إنه أرق في الليلة الماضية لأنه شرب في الساعة السابعة من مساء أمس فنجانًا من القهوة؟ وهل فكرت في هذا الأرق هل كان سببه الحقيقي فنجان القهوة بالذات أم كان إيحاء هذه الفكرة؛ أي إن القهوة مؤرقة، في نفس هذا الشخص؟ والقدوة؛ أي: المحاكاة من أعظم وسائل الإيحاء، وهما أقوى أثرًا من الكلمة، فإننا نتثاءب عندما نرى أحدًا يتثاءب، ونبكي في الجنازة عندما نرى البكاء حولنا، والحمار يأكل أو يجري عندما يرى زميلًا له يأكل أو يجري، والأم المحجبة التي تخشى فَتْح الباب توحي الجُبْن والخوف من الغرباء عند أولادها؛ ومن هنا قيمة القدوة في الأب والمعلم، وقيمة العائلة الحسنة في الأطفال | الإيحاء هو تنويم نفسي مخفف، وكلنا عُرْضة له متأثرون به؛ لأن معظم سلوكنا — بل كل سلوكنا إلا القليل جدًّا جدًّا — عاطفي يخضع للإيحاء |
---|---|
والإيحاء يحدث بالكلمة والصورة والفكاهة والقصة والأغنية والقدوة، وهذه كلها تتسلط علينا في حياتنا الاجتماعية، وتغرس فينا عواطف نكاد نحسبها — لفرط إحساسنا بها — طبيعية؛ فالمسلم يشمئز من لحم الخنزير، وكلنا — باستثناء الصينيين — نشمئز من لحم الكلب، ونكاد نعتقد أن هذا الاشمئزاز طبيعي ولو دعانا أحد إلى أن نأكل لحم الكلب لعددناه أسفل إنسان في الدنيا، إن لم نَعُدَّه مجنونًا، والواقع أن هذه العواطف اجتماعية تعود إلى الإيحاء؛ أي: إيحاء المجتمع بالقدوة والكلمة، كلمة نجس للخنزير والكلب، وليس فيها شيء طبيعي.